إن الحمد لله، نحمده،
ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد اهتم الإسلام الحنيف
بتنظيم العلاقة الزوجية بين الزوج والزوجة بما ينتظم به عقد الحياة الدنيا، وبما
يعود بالنفع الكثير على الأفراد والأسرة والمجتمع.
وما نراه اليوم من تفكك
المجتمعات فإنما هو ناجم عن تفكك الأسر، بسبب عدم اعتمادهم على شرائع سوية تنظم
الحياة الزوجية والأسرية.
وقد استشرى هذا المرض
العضال، حتى أصيبت به الأسر المسلمة التي ابتعدت عن شرع الله ومنهجه وطريقه
المستقيم.
ونحن في هذه السلسلة إن
شاء الله تعالى سوف نحاول أن نلقى الضوء على بعض وأهم التشريعات الإسلامية الخاصة
بتنظيم الحياة الزوجية بما يعود بالنفع على الأسرة والمجتمع.
وسوف نبدأ في الجزء الأول
من هذه السلسلة، وهو كتابنا هذا بذكر الآداب الشرعية في معاشرة الأزواج لزوجاتهم،
والزوجات لأزواجهن، وما يتعلق بحقوق كل منهما على وجه الاختصار في ضوء الكتاب
وصحيح السنة.
ونحن نتقدم بهذا الجهد
المتواضع لإخواننا وأخواتنا من المسلمين والمسلمات كتذكرة ونصح، فهما من الحقوق
الواجبة لهم علينا. ونسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا هذا في ميزان حسناتنا يوم القيامة،
إنه على كل شيء قدير ،والحمد لله رب العالمين
الوصية بالنساء
لقد اقتضت حكمة الله
سبحانه وتعالى وعلمه أن يجعل القوامة للرجال على النساء، وذلك بما فضلهم به عليهن
من النفقة وغيرها. ولكن لم يجعل سبحانه وتعالى مثل هذه القوامة سبباً للاستهانة
بحقوق النساء، أو لعضلهن إياها، كما كان الحال فى المجتمعات الجاهلية، بل حرص سبحانه
وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حفظ هذه الحقوق، وتأديتها إليهن على
الوجه الشرعي المسنون، مع إحسان العشرة إليهن.
قال تعالى : (( وعاشروهن
بالمعروف )) النساء: 19،.
ولا شك أن العشرة
بالمعروف تشمل الإنفاق عليهن، وكسوتهن، والتأدب فى معاملتهن، ومداراتهن، وقضاء
وطرهن، والدعاء لهن، وتعليمهن، وتأديبهن، والانتهاء عما نهى الله ورسوله اتجاههن.
ولما كانت للوصية بالنساء
مكانة كبيرة من التشريع، فقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بتوصية أصحابه- رضوان
الله عليهم- بالنساء فقال: ((استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج
شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وان تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا
بالنساء خيرا)) .
* وهذا الحديث يرشدنا إلى
ثلاثة أمور رئيسية وهي:
الأمر الأول: أن الوصية بالنساء واجبة لأن قوله صلى الله عليه وسلم "
استوصوا " أمر ، والأمر يقتضي الوجوب، ما لم ترد قرينة تصرفه عن ذلك.
الأمر الثاني: بيان قصور النساء عن الرجال، واختلاف بعض طبائعهن عن طبائع الرجال.
الأمر الثالث: جواز مداراة النساء، والاستمتاع بهن على عوجهن.
ولا شك أن في هذا الحديث
قاعدة أساسية في عاملة النساء، والوصية بهن، عند الصحابة رضوان الله عليهم- ومن
تبعهم من الرجال في كل عصر، وما دام هذا الدين قائما.
تحريم ظلم الزوجة
ثم اعلم- رحمك الله-:
أن من أهم مظاهر التواصي
بالنساء ومعاشرتهن بالمعروف عدم ظلمهن فى شيء من حقوقهن، سواء كانت مادية أو
معنوية.
فلا يجوز للزوج بأي حال
من الأحوال أن يغتصب مال زوجته أو ينفقه بغير إذنها أو بغير رضاها، كما لا يجوز له
أن يجحدها شيئاً من حقوقها المتعلقة بحسن العشرة، أو الإطعام، أو الكسوة، أو
السكن، أو التربية والنصح، أو قضاء الوطر، فإنه إن جحدها شيئاً من ذلك دخل في عموم
قوله صلى الله عليه وسلم:
(( اللهم إني أحرج حق
الضعيفين: اليتيم والمرأة)) .
وقوله صلى الله عليه
وسلم- فيما يرويه عن رب العزة-:
((يا عبادي إني حرمت
الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) .
فهذا النص عام، ويدخل في
عمومة تحريم أي نوع من الظلم، لا سيما ظلم الزوج للزوجة، فإنما أخذها واستحلها
بعهد الله وميثاقه، فلا يجوز له بأي حال عضلها مالها من حقوق أو الاستهانة في
أدائها إليها.
القسط والعدل مع النساء
والذي يجب على الرجل
اتجاه زوجته أن يكون عادلاً معها، فلا يظلمها شيئاً من حقوقها، ولا يجحدها ما يجب
لها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (( المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على
يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )). فانظر
كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المقسطين عموما، ثم خص المقسطين مع أهليهم
وما ولوا خصوصا، دلالة على أهمية ذلك في حق الأهل وهن تحت ولايته.
فعلى الرجل أن يقوم
بمسئولياته اتجاه زوجته واتجاه أولاده على أكمل وجه، فلا يتهاون في القيام بهذه
المسئوليات ولا يتقاعس عنها. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((ألا كلكم راع، وكلكم
مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على
أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم،
والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته )).
فابتدأ عليه السلام
بالإشارة إلى مسئولية الرجل، لا نه الأصل، ثم ثنى بمسئولية المرأة لأنها تابعة
للرجل، فمتى قام الرجل بما عليه من مسئوليات كان حافزاً لامرأته أن ترعى ما يجب
عليها رعايته، ومتى تهاون أو تخلف عن أداء مسئولياته كان بمثله التهاون من المرأة
في غالب الأحيان.
وسوف نتعرف فيما يلي إن
شاء الله تعالى على حق المرأة على زوجها في ضوء الكتاب وصحيح السنة وما ينبغي على
الرجل اتجاهها.
حق المرأة على زوجها
لقد حفظ الإسلام للمرأة
حقها بعد إذ كانت تباع وتشترى وتورث في المجتمعات الجاهلية، وقد وردت فى الشريعة
الغراء عدة نصوص تبين هذه الحقوق، وتثبتها للمرأة، منها قوله تعالى: (الرجال
قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنففوا من أموالهم }
[النساء:34]. وحديث معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال:يا رسول الله، ما حق زوجة
أحدنا عليه؟ قال:((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت،ولا تضرب الوجه ولا
تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)) .
فدلتنا الآية الكريمة
والحديث الشريف على بعض حقوق المرأة على زوجها، وهي:
أ- النفقة:
ويدخل في عمومها الإطعام
والكسوة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت)).
ولا شك أن النفقة على
الزوجة والولد مندوب إليها محثوث عليها.
فعن أبي هريرة- رضي الله
عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة، فجاء رجل فقال: عندي دينار،
فقال:"أنفقه على نفسك ".
قال: عندي آخر؟
قال: "أنفقه على
زوجك ".
قال: عندي آخر؟
قال: ((أنفقه على ولدك)).
قال: عندي آخر؟
قال: ((أنفقه على خادمك))
قال: عندي آخر؟
قال:(( أنت أبصر )).
وعن ثوبان- رضي الله عنه-
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أفضل دينار: دينار ينفقه الرجل على عياله ،
ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله
)).
وعن سعد بن أبي وقاص- رضي
الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه
الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في امرأتك)).
والأحاديث الواردة في هذا
الباب كثيرة جداً.
ويجوز للمرأة أن تأخذ
نفقتها ونفقة أولادها من مال زوجها بالمعروف- بغير إذنه- إذا كان بخيلاً.
فعن عائشة- رضي الله
عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل
مسيك، فهل على حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال:((لا حرج عليك أن تطعميهم
بالمعروف))
ولكن ليتنبه النساء أن
قوله صلى الله عليه وسلم: ((بالمعروف)) أي في غير إسراف ولا تبذير، ولا مجاوزة
الحد، بل تأخذ من ماله نفقة مثيلاتها، ولا تزيد كما يفعل بعض النساء اليوم من
إطلاق أيديهن في أموال أزواجهن دون إذنهن بدعوى أنه بخيل، فيأخذن من ماله ما
ينفقنه فيما يغضب الله من الذهاب إلى صالونات تصفيف الشعور، وصالات التجميل،
والتبذير في الملبس والمشرب، فهؤلاء محاسبات على تعديهن على أموال أزواجهن لغير
حاجة شرعية، ولإفسادهن هذه الأموال.
2- عدم التعرض للوجه
بالضرب أو التقبيح:
لما في ذلك من الاستهانة
بالمرأة، وتحقيرها، وإنزالها غير المنزلة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لها من
الاحترام.
وكذلك فالتعرض للوجه
بالضرب أو التقبيح مناف لما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الهدي في
تقويم النساء عند النشوز .
فالذي أمر به الله سبحانه
وتعالى من ضرب النساء لتقويمهن عند النشوز هو الضرب غير المبرح، لقوله
تعالى:{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا
تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء: 34].
والكلام على هذه الآية
على ثلاثة مقامات:
الأول: قوله تعالى: {واضربوهن} لفظ عام، وقد قيدته السنة بالضرب غير
المبرح .
فعن عمرو بن الأحوص،
مرفوعا:
"استوصوا بالنساء
خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة
مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح " .
والحديث وإن كان في
إسناده ضعف، إلا أنه يشهد لمعناه أحاديث أخرى صحيحة .
فهذا الضرب مما يكسر
النفس، وليس مما يكسر العظم، فهو ضرب تأديب، لا ضرب انتقام وتشويه.
الثاني: أن ضرب المرأة للتأديب لا يكون إلا بعد عدم جدوى الموعظة والهجر
لها في المضجع.
فإن الهجر في المضجع قد
يؤثر في المرأة ما لا يؤثره فيها الضرب، فإنها تحس أنها غير مرغوبة من زوجها، فلا
تنشغل إلا بالتفكير في حالها وما آل إليه، فتنزجر بهجره، وترتدع بتركه لها.
الثالث: وجوب رفع الضرب عنها في حالة الطاعة، ويدل عليه قوله تعالى:{فإن
أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً}
وأما روى عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال:(( لا تسأل الرجل فيما ضرب امرأته))
فضعيف من حيث الإسناد،
ولا يحتج به على جواز مطلق ضرب النساء في تأديب وغيره، كما هو حال كثير من الريفين
والأعراب.
والثابت عن النبي صلى
الله عليه وسلم بخلافه.
فعن عائشة- رضى الله
عنها- قالت:
((ما رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ضرب خادماً له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً قط، إلا أن يجاهد
في سبيل الله " .
وعن عبد الله بن زمعة-
رضي الله عنه-:
عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم)).
وفي قصة فاطمة بنت قيس-
رضي الله عنها- ((في الصحيحين)) لما انتهت عدتها خطبها أبو الجهم، فقال لها النبي
صلى الله عليه وسلم محذراً: "أما أبو الجهم فضراب للنساء".
وفي رواية: "لا يضع
عصاه عن عاتقه ".
فدل هذا على عدم استحباب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الهدى مع النساء إلا في مظانه المشروعة، وبسننه
المشروعة.
3- عدم الهجر في غير
البيت:
ويدل عليه قوله صلى الله
عليه وسلم: "ولا تهجر إلا في البيت ".
ولكن يجوز هجر المرأة في
غير البيت بحسب المصلحة المترتبة على ذلك، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
هجر أزواجه شهراً في غير بيوتهن، وقد فصلنا ذلك في كتابنا ((آداب الخطبة والزفاف
)) وكتابنا ((هدى النبي صلى الله عليه وسلم مع النساء )) والله أعلم.
عظم حق الزوج على زوجته
وكما حفظ الإسلام للزوجات حقوقهن على أزواجهن، فقد شرع ما يحفظ به حقوق الأزواج
على الزوجات.
1- فللرجل أن يستمتع بجسد
امرأته بجماع أو بمباشرة- بقصد قضاء الوطر، أو طلب النسل- وعليها أن تحيبه متى
دعاها إلى فراشه.
فعن أبى هريرة- رضى الله
عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى
فراشه، فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح " .
ومعنى اللعن: الدعاء
عليها بالطرد من رحمة الله تعالى.
فأياكن- أيتها المسلمات-
ترضى لنفسها أن تدعوا عليها الملائكة بالطرد من رحمة الله؟!
وأياكن تحتمل عذاب هذا
الذنب الكبير يوم القيامة؟!
2- ومن حقوق الرجل على
زوجته أن تطيعه فيما يأمر:
فعن أبي هريرة- رضي الله
عنه- قال:
سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن خير النساء؟ قال: ((التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في
نفسها وماله)).
ولكن هذه الطاعة مشروطة
بما ليس فيه معصية لله عز وجل، فإنه إن أمرها بما فيه معصية لله عز وجل فلا طاعة
له في هذا الأمر، لحديث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- الذي في ((الصحيحين)) عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في
المعروف)).
قال ابن الجوزي في (أحكام
النساء) (ص 81):
((على ما ذكرنا من وجوب
طاعة الزوج، فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحل، مثل أن يطلب منها الوطء في
زمان الحيض، أو في المحل المكروه، أو في نهار رمضان، أو غير ذلك من المعاصي، فإنه
لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى )).
3- ومن حقوقه عليها أيضاً
أن تشكر له ولا تكفره :
فعن عبد الله بن عمرو بن
العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الله
إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه )).
ويدلنا هذا الحديث الشريف
على وجوب شكر المرأة لزوجها المحسن إليها، خصوصاً إذا كان قيامه بأمورها تصل إلى
درجة عدم الاستغناء عنه.
ولا يقصد بالشكر هنا مجرد
الشكر باللسان، ثم تؤذيه بمساوئ الأفعال والأخلاق والخصال.
بل الشكر يقصد به هنا:
الشكر باللسان، وإظهار
السرور والراحة بالحياة في كنفه، والقيام على أموره وأمور ولده، وخدمته، وعدم
التخلي عنه في محنه، وعدم تتبع عثراته، وترك الإساءة إليه في مواطن خلله وزللـه
وقصوره، بل تجعل من نفسهما متمماً ومكملاً له، فتأمره بالمعروف عند وقوعه في
المنكر، وتصلح له إذا فسد عليها في غضب أو ذلة، وتجيبه إذا طلبها، وتستمع إليه إذا
ما فضفض إليها، وتحفظه إذا أسر إليها، وتشكره إذا ما صنع لها معروفاً.
فقد صح عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس )) فشكر الزوج أوجب وألزم.
وأما كفران العشير، فقد
نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر النساء منه، وبين لهن عاقبة أمره.
فعن عبد الله بن عباس-
رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أريت النار، فإذا أكثر
أهلها النساء، يكفرن )).
قيل: يكفرن بالله؟!، قال:
" يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك
شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) .
وعن أسماء بنت يزيد- رضي
الله عنها- قالت: مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة، فسلم علينا،
وقال: ((إياكن وكفر المنعمين )).
فقلنا: يا رسول الله، وما
كفر المنعمين؟ قال:(( لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها وتعنس، فيرزقها الله عز
وجل زوجاً، ويرزقها منه مالاً وولداً، فتغضب الغضبة، فراحت تقول: ما رأيت منه
يوماً خيراً قط)) .
وهذان الحديثان صريحان في
النهي عن كفر المرأة لخير زوجها، أو جحودها لحسن صنيعه لها، فكفران النعمة من
أسباب دخول المرأة النار، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت النار فإذا
أكثر أهلها النساء، يكفرن )).
والواجب على كل امرأة أن
تنزل زوجها من نفسها منزلة كريمة، وتتخذ له في قلبها مكاناً عزيزاً بما يبذله لها
من حسن المعاملة، وطيب النفقة، والتعب على قضاء حوائجها، والعناية بها في حال
مرضها، والدعاء لها في حياتها، والصلاة عليها عند موتها.
ولكن وللأسف الشديد،
فكثير من النساء لا يراعين لله في أزواجهن حرمة، ولا يحفظن لهم حقاً، فإذا رأت منه
ما يسوؤها تذمرت، وضاقت به وبحياته ذرعاً، وقالت له: ما رأيت منك خيراً قط، والله
شهيد على كذبها، وقادر على أخذها بهذا الذنب، ولكنه سبحانه وتعالى يمهلها لعلها
تتوب، أو يحدث بعد ذلك إصلاحا.
فالواجب على كل زوجة تخشى
ربها أن تعمل على إرضاء زوجها، وإذا رأت منه شراً أن تذكر خيره.
3- وكذلك فعليها أن تسره
إذا نظر إليها، وتحفظه في ماله ونفسها إذا غاب عنها:
لحديث أبي هريرة- رضي
الله عنه- الذي تقدم ذكره، قال: ((التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في
نفسها وماله)) .
4- وله عليها أن لا توطئ
فراشه من يكرهه:
فعن جابر بن عبد الله-
رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، فقال:((اتقوا الله في
النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن
أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهون، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم
رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .
5- وله عليها أن لا تنفق
من بيته إلا بإذنه:
فعن أبي أمامة- رضي الله
عنه- قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- في خطبته عام حجة الوداع- يقول:"لا
تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" .
6- وله أن لا تصوم تطوعاً
إلا بإذنه:
فعن أبي هريرة- رضي الله
عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد
إلا بإذنه، ولا تأذن في يتته إلا بإذنه)).
7- وله عليها أن تحد عليه
إذا مات أربعة أشهر وعشرا:
فعن أم حبيبة- رضي الله
عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:(( لا يحل لامرأة
تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر
وعشرا)) .
وقد وصف الله سبحانه
العلاقة التي بين الرجل وزوجته بالسكن، لما يكون فيها من المودة والرحمة، قال
تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة
ورحمة} [الروم:21]
فحري بالزوجة أن تحزن على
فراق زوجها الذي كانت تسكن إليه، والذي كان يقوم على أمرها وشؤونها.
تحريم طلب الطلاق من
زوجها في غير ما بأس من جملة العلاقات الأسرية التي اهتم الإسلام بتنظيمها وإرساء
القواعد الشرعية التي تحدها: الطلاق.
فلا شك أن الإسلام جعل
الطلاق حلا إيجابيا لفض النزاعات الزوجة الناشئة عن عدم ائتلاف الطباع والأخلاق،
ولكن لم يجعل هذا الحل دون قيد أو شرط، بل جعل له حدوداً وقوانيناً تنظمه بما
تقتضيه المصلحة الأسرية.
ومن هذه القوانين: النهي
عن طلب المرأة الطلاق من زوجها في غير ما بأس.
فلا شك أن الإسلام قد جعل
الطلاق خلقت المرأة عليها من حيث غلبة العاطفة، ولين الجانب، والتسرع، ربما تجعلها
غير حكيمة إذا أقدمت على طلب الطلاق لمجرد مشكلة عابرة، أو مشادة كلامية بينها
وبين زوجها، خصوصاً إذا كان لها أبناء.
فهي بذلك تحطم رباط
الزوجية، والأوامر الأسرية لسبب تافه، غاب عن عقلها طريقة حله في شدة غضبها،
بالإضافة إلى ما تسببه لزوجها من ضيق وحزن بمثل هذا الطلب.
ومن أجل هذا كله فقد زجر
النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن طلب الطلاق من أزواجهن في غير ما بأس منهم.
فقال صلى الله عليه
وسلم:"أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة
".
ولا شك أن هذا الحديث
الشريف يدل على حرمة طلب المرأة الطلاق من زوجها في غير ما بأس منه، ولكن إذا
ترجحت في ذلك مصلحة شرعية، أو إذا ترجحت في استمرار الزواج مفسدة شرعية، جاز لها
أن تطلب الطلاق.
فعن ابن عباس- رضي الله
عنه-: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله،
ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟ ".
قالت: نعم.
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"اقبل الحديقة
وطلقها تطليقة" .
فالواجب أن تحذر المسلمات
من العبث بأزواجهن بطلب الطلاق منهم في غير ما بأس، فالزوج له حق عظيم على زوجته،
ومن لا تشكره لا تشكر الله، ومن تكفره، تكون من أهل النار، كما أخبر به النبي صلى
الله عليه وسلم .
مداراة النساء
لقد اقتضت حكمة المولى-
عز وجل- أن تختلف خلقة النساء وطبائعهن عن خلقة الرجال وطبائعهم، وكان من مَن الله
سبحانه وتعالى وعظيم فضله على عباده أن جعل لهم قوانيناً وشرائعاً تنظم العلاقة
بين الرجل وزوجته، وبين المرأة وزوجها، بما لا تظهر هذه الفروق على الوجه الذي قد
يضر الطرف الآخر، أو يشعره بالضيق والحرج.
ومن هذه الشرائع التي
شرعت لنا مما يتعلق بهذا الجانب: الندب إلى مداراة النساء.
والمداراة: هي المجاملة
والملاينة.
وقد ندبنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى مداراة النساء، لما علم منهن من تسرع، وسوء تصرف فى بعض
المواقف.
فعن أبى هريرة- رضى الله
عنه-:
أن رسول الله عليه وسلم قال:
((المرأة كالضلع إن
أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ))
فهذا الحديث الشريف
يندبنا إلى مجاملة النساء وملاينتهن، والصبر على أذاهن وتضجرهن.
ولا شك أن تقويم المرأة
واجب، ولكن على النحو الذي لا تتضرر
به المرأة أو الرجل أو
الحياة الزوجية ما دام هذا التقويم يتم حسب الحدود الشرعية.
وأما المبالغة في
التقويم- كالتشديد عليهن كما يشدد على الرجال- للوصول بها إلى المرتبة العليا من
التقويم بحيث لا يصدر منها ما يدل على نقصان عقلها أو كفران عشيرها، ففيه الخاطرة
بالحياة الزوجية من حيث احتمال وقوع الطلاق بين الزوجين، ويدل على ذلك قوله صلى
الله عليه وسلم: ((إن أقمتها كسرتها )).
والكسر هنا: بمعنى
الطلاق، كما فسرته رواية مسلم في ((صحيحه)).
فإن كانت المرأة على دين
وخلق كريم، إلا أنها يصيبهما ما يصيب
باقى النساء من التضجر،
أو طلب ما لا يقدر الزوج عليه، أو التنكر له، فلا شك أن مثل هذه يندب المداراة
معها ويستحب الإبقاء عليها، حفاظاً على رباط الزوجية، لما لها من خلق كريم ودين
متين.
النهي عن التماس عثرات النساء
واعلموا- رحمنا الله
وإياكم-:
أن في التماس عثرات
النساء وتتبع زلاتهن هدم للحياة الزوجية، فالمرأة خلقت من ضلع أعوج، كما قال
الصادق المصدوق صلى الله
عليه وسلم فلا شك أن عثراتها وزلاتها أكثر من الرجل، وتتبع مثل هذه العثرات
والزلات يوغر صدر الزوج عليها شيئاً فشيئاً، حتى يؤدى به ذلك إلى طلاقها.
وقد نهينا عن تتبع زلات
النساء، والتماس عثراتهن، لرجحان المفسدة فى ذلك.
فعن جابر بن عبد الله-
رضى الله عنه- قال:
نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً، أو أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم .
وفي هذا الحديث الكريم
النهي عن أن يطرق الرجل أهله إذا قدم من سفره ليلاً، وورد ذكر علة هذا النهي في
إحدى الروايات، وهي: كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، أي لكي تتهيأ لزوجها
بالامتشاط والتزين، والاستحداد له، فيراها في أحسن صورة، وفي أجمل حلة، فتبعث في
نفسه السرور، بعد طول التعب والإرهاق الذي ناله في سفره هذا.
وكذلك فطرقه لها ليلاً
يكون مظنة رؤية ما لا يستحب له رؤيته منهم، ففيه من تخونهن، وتلمس العثرات لهن ما
يبعث إلى نفسه استقباح بعض أمورهن، أو كراهية بعض أخلاقهن، فتضطرب بذلك حياتهما
الزوجية، وقد يؤدي ذلك إلى كثرة المشاكل، بل قد يصل الحد إلى الطلاق.
ولكن من الله علينا في
هذا العصر بكثير من المخترعات التي تسهل علينا طرق الاتصال بالأهل والأزواج
والأولاد، كالهاتف، والبرق، والتلكس، فإذا استطاع الرجل إخبار أهله بموعد قدومه من
الليل، فلا مانع من أن يطرقهم في هذا الوقت من الليل، لأنه قد زالت علة النهي
بالاتصال بهم، وإخبارهم بموعد القدوم، فليس في طرقهم في هذا الوقت ما يجعله تخوناً
لهم، أو التماساً لعثراتهم، والله أعلم .
آداب ليلة البناء بالعروس
لقد رسم لنا النبي صلى
الله عليه وسلم بهديه السامي، وطريقته الغراء طريقة التعامل مع الزوجات في ليلة
البناء.
فهذه الليلة من أهم ليالي
الحياة الزوجية، والتي تتم فيها أكثر الانطباعات بين الزوجين في طريقة التعامل
بينهما فيما بعد من أيام حياتهما.
وكم كانت هذه الليلة نذير
بؤس، وبداية شقاء وعذاب لكثير من الأزواج والزوجات، وكم كانت عتبة حياة هنيئة
لأزواج وزوجات آخرين.
والهدي النبوي المسنون في
هذه الليلة هو أتم الهدى وأكمله، وكيف لا وهو هدي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين،
الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه، فقال:{وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم:4].
ووصفت زوجه وحبه عائشة- رضي الله عنها- خلقه صلى الله عليه وسلم
فقا لت:" القرآن
".
أي كان خلقه- صلى الله
عليه وسلم- القرآن.
ولنتعرف- الآن- أخي
المسلم على سمات هذا الهدي النبوي الشريف في ليلة البناء بالعروس
التسليم على العروس ليلة البناء
لا شك أن المرأة إذا ما
فارقت بيت أهلها إلى بيت زوجها ليلة البناء بها تصيبها الرهبة، فإنها مقدمة على
حياة جديدة في كنف شريك لم تعلم من طباعه شيئاً إلا القدر اليسير.
ولذلك كان من أهم ما يجب
على الزوج في هذه الليلة أن تذهب هذه الرهبة، أو يقللها إلى أقل درجة ممكنة، وقد
علمنا صلى الله عليه وسلم بهديه الشريف طريقة إذهاب هذه الرهبة أو تقليلها، وهي:
(( السلام))
فعن أم سلمة- رضي الله
عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها؟ فأراد أن يدخل عليها، سلم .
فإن كان السلام يذهب
بالشحناء والبغضاء من نفس الخالف، فمن باب أولى أن يذهب بالرهبه، والخوف من نفس
الزوجة.
الدعاء للعروس عند البناء
بها
وسيتحب للزوج أن يدعو
لزوجته ليلة البناء بها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث من أراد الزواج على
أن يأخذ بناصية زوجته، ويدعو لها بالدعاء المأثور:
" اللهم إني أسألك
خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه "
ملاطفة العروس
وبعد أن تذهب الرهبة
والخوف من نفس الزوجة بالسلام عليها والدعاء لها، فلابد للزوج أن يلاطفها،
ويمازحها، ويداعبها، فالخجل سمة من سمات النساء وخلق من أخلاقهن، وهو في العروس
البكر أكثر منه في الثيب: التي سبق لها الزواج، ولذلك كان للممازحة والملاطفة أثر
كبير في تقليل درجة خجل العروس.
ولننظركيف كان النبي صلى
الله عليه وسلم يلاطف أزواجه عند البناء بهن.
عن أسماء بنت يزيد- رضي
الله عنها- قالت: ((إنى قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئته فدعوته
لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتى بعس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه
وسلم، فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى
الله عليه وسلم، قالت: فأخذت فشربت شيئاً)) .
ولذا: يستحب للزوج أن
يقدم لأهله في ليلة البناء بها كوباً من اللبن أو العصير أو ما قام مقامهما، وأن
يتجاذب معها أطراف الحديث، لكي يقلل من حيائها وخجلها، وأن لا يثب عليها وثب
البعير على أنثاه، فإن المرأة يمنعها حياؤها وخجلها من الانصياع لزوجها في أول
طلبه لها، فتتمنع عنه تدللا وخجلاً، فالواجب على الزوج أن لا يباغتها بما تحذر
منه، وأن يداريها ويلاطفها حتى يبلغ مراده.
التسمية عند الوقاع
فإن أمكنته من نفسها،
وطاعته، فعليه أن يسم الله سبحانه وتعالى عند غشيانها ويدعو بالدعاء المأثور عن
النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما
رزقتنا".
فإنه إن قدر بينهما في
ذلك ولد لم يضر ذلك الولد الشيطان أبداً.
ويجب عليه أن لا يقوم
عنها حتى تقضي منه وطرها ، كما قضى وطره، وأن لا يعجلها في ذلك.
ما يباح في الجماع
ويباح للرجل في جماع
زوجته جسد امرأته كله- إلا الدبر- مقبلة أو مدبرة، لقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم
فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة:
223].
وعن جابر بن عبد الله-
رضي الله عنه- قال:
إن اليهود قالوا
للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة، جاء ولدها أحول، فأنزل الله عز وجل:{نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} .
فقال رسول الله عليه
وسلم: "مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج " .
تحريم الدبر
وأما تحريم الدبر فالنصوص
دالة عليه.
فقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم- كما في حديث جابر المتقدم-:
"مقبلة ومدبرة ما
كان في الفرج ".
وعن ابن عباس- رضي الله
عنهما- قال: لا ينظر الله يوم القيامة إلى رجل أتى بهيمة أو امرأة في دبرها .
وعن ابن مسعود- رضي الله
عنه-: أن رجلاً قال له: آتي امرأتي أنى شئت، وحيث شئت، وكيف شئت؟ قال: نعم، فنظر
له رجل فقال له: إنه يريد الدبر!
قال عبد الله: محاش
النساء عليكم حرام .
وأما الاستمتاع
بالإليتين، وجعل الذكر بينهما، فلا شيء فيه، وهو مباح كما سوف يأتي بيانه إن شاء
الله تعالى.
جواز التجرد من الثياب
عند الجماع وحكم نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسة
وأما تجرد الزوجين عند
الجماع فجائز، لما ورد عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى
الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة" .
قال الحافظ ابن حجر في
((فتح الباري )) (1/ 290):
" استدل به الداودي
على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق:
سليمان بن موسى، أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاء، فقال:
سألت عائشة، فذكر هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة ". قلت: ويدل عليه
أيضاً حديث معاوية بن حيدة- رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما
نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "
وأما ما روى عنه صلى الله
عليه وسلم في أنه قال:
((إذا أتى أحدكم أهله،
فليلقى على عجزه وعجزها شيئاً، ولا يتجردا تجرد العيرين)) . فمنكر، ولا يصح في
المنع حديث.
الوضوء لمن جامع وأراد المعاودة
ويستحب الوضوء لمن جامع
امرأته، وأراد أن يعاودها قبل أن يغتسل: فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود،
فليتوضأ))
طواف الرجل على نسائه بغسل واحد
ويجوز للرجل أن يطوف على
نسائه- يجامعهن- بغسل واحد:
لحديث أنس- رضى الله عنه-
أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد (1).
وأما ما روى عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال- فى الغسل عند كل مرة يجامع ((هذا أزكى وأطهر)).
فلا حجة فيه لضعفه،
ولمخالفته الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في طوافه على نسائه بغسل واحد كما ورد من
حديث أبى سعيد- رضى الله عنه- المتقدم، وحديث عائشة- رضى الله عنها-:
كنت أطيب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً .
وقد أورد النسائي- رحمه
الله- هذا الحديث في سننه (( المجتبى ))،في باب: (الطواف على النساء في غسل واحد).
قال الإمام السندي- رحمه
الله- في حاشيته على (( سنن النسائي )):
((قوله: (ينضح) أي
يفوح،... وأخذ منه المصنف وحدة الاغتسال، إذ العادة أنه لو تكرر الاغتسال عدد تكرر
الجماع لما بقى من أثر الطيب شيء، فضلاً عن الانتفاح )).
وجوب الغسل بالتقاء الختانين
ويجب على الزوجين الغسل
بالتقاء الختانين، وإن كسلا فلم ينزلا، فعن أبى موسى الاشعري- رضى الله عنه- قال:
اختلف في ذلك رهط من
المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون:
لا يجب الغسل إلا من
الدفق أو من الماء، وقال المهاجرين: بل إذا خالط فقد وجب الغسل.
قال أبو موسى: فأنا
أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة، فأذن لى، فقلت لها: يا أماه- أو يا أم
المؤمنين- إني
أريد أن أسألك عن شيء،
وإني أستحيك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما
أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت:
على الخبير سقطت، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد
وجب الغسل )).
وعن عائشة- زوج النبي صلى
الله عليه وسلم- قالت: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع
أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟- وعائشة جالسة-.
فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل )).
تحريم جماع الحائض
ويحرم جماع الحائض لقوله
تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } [البقرة: 222].
ولحديث أنس بن مالك- رضي
الله عنه-: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها،
ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
فأنزل الله سبحانه:ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } إلى
آخر الآية.
فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح)).
فقالت اليهود:
ما يريد هذا الرجل أن يدع
شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا.
أفلا ننكحهن في المحيض،
فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما.
فخرجا، فاستقبلتهما هدية
من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما، فسقاهما، فظننا أنه لم
يجد عليهما .
ما يجوز من الحائض
ويجوز للرجل من زوجته وهي
حائض كل جسدها إلا الفرج والدبر، فأما الفرج فلورود الأمر من الكتاب والسنة
باعتزاله في الحيض، وأما الدبر فلما ذكرناه آنفاً من الأدلة.
ويحل للرجل أن يستمتع
بجسد امرأته- إلا ما ذكرنا- كيفما شاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم - في حديث
أنس المتقدم-: ((اصنعوا كل شيء إلا الجماع)).
ولحديث عائشة- رضي الله
عنها- قالت:
كانت إحدانا إذا كانت
حائضاً، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها، أمرها أن تتزر في فور
حيضتها، ثم يباشرها .
ولحديث عكرمة، عن بعض
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من
الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً .
فيجوز للرجل أن يتلذذ
بجسد امرأته كله إلا الفرج في وقت حيضتها .
جماع المستحاضة
ويجوز جماع المستحاضة.
لحديث عائشة- رضي الله
عنها-:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر،
أفأدع الصلاة؟
فقال: ((لا إنما ذلك عرق
وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي))
.
قال الإمام الشافعي- رحمه
الله- في ((الأم)) (1/ 50):
" لما أمر الله
تعالى باعتزال الحيض، وأباحهن بعد الطهر والتطهير، ودلت السنة على أن المستحاضة
تصلي، دل ذلك على أن لزوج المستحاضة إصابتها- إن شاء الله تعالى- لأن الله أمر
باعتزالهن وهن غير طواهر، وأباح أن يؤتين طواهر)).
تحريم نشر أسرار الاستمتاع
بين الزوجين إلا لمصلحة شرعية
ويحرم على الزوج- وكذلك
على الزوجة- نشر ما يكون بينهما من أسرار الاستمتاع.
فعن أبي سعيد الخدري- رضي
الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله
منزلة يوم القيامة، الرجل يفضى إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)).
قال الإمام النووي- رحمه
الله- في " شرح صحيح مسلم " (3/610): ((في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل
ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة
فيه من قول أو فعل أو نحوه ".
ولكن يجوز نشر مثل هذه
الأسرار لمصلحة شرعية .
فهؤلاء هن زوجات النبي
صلى الله عليه وسلم يذكرن هديه صلى الله عليه وسلم في معاشرته، وتقبيله ومباشرته
لهن، وذلك كله لرجحان المصلحة من ذكره.
بل أبلغ من ذلك:
حديث عائشة- رضي الله
عنها- المتقدم-:
أن رجلاً سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله، ثم يكسل، هل عليه من غسل؟
- وعائشة جالسة، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل)).
فدل فعله هذا- صلى الله
عليه وسلم- على جواز ذكر ما يدور بين الرجل والمرأة من أسرار الجماع للمصلحة
الشرعية الراجحة من ذكرها.
وهذا ما فهمه الإمام
النسائي، فذكر هذا الحديث في ((عشرة النساء )) من ((السنن الكبرى )) ، وبوب له:
(الرخصة في أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين زوجته) .
خاتمة
أخي المسلم.. أختي
المسلمة..
كانت هذه بعض الآداب
الشرعية في المعاشرة الزوجية، وما يتعلق بحقوق الزوج والزوجة ذكرناها على وجه
الاختصار مع التدليل عليها من الكتاب والسنة.
عسى أن ينفعنا بها الله
وإياكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
إنه على كل شيء قدير
والحمد لله رب العالمين
الكاتب : عمرو عبد المنعم
سليم
إرسال تعليق