من روائع الطب الاسلامى تاليف الدكتور الطبيب :محمـد نزار الـدقر
أسس
تدبير الطعام والشراب في الشريعة الإسلامية:
لقد
نجح النظام الإسلامي في ميدان التدريب الصحي الذي فرضه على بني البشر ليسعدوا
به(1)، فقد كانت معظم الأمراض التي يصاب بها الناس _ومازالت_ في عصرنا الحديث ترجع
إلى الحرمان الشديد ونقص الغذاء،أو إلى الإفراط في تناول الطعام والشراب والإسراف
فيهما، وقد جاء الحل الإسلامي العظيم المعجز وفي ثلاث كلمات من كتاب الله عز وجل
حين قال:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).وأمر بالصيام
شهراً في السنة للحفاظ على سلامة وكيان أجهزة البدن وأعضائه.
وجاءت
الدراسات الطبية لتثبت أن مرضى القلب يستطيعون أن يعيشوا طويلاً بعيداً عن
المضاعفات الخطيرة إذا هم اعتدلوا في طعامهم وشرابهم ومن ثَمَّ فقد أمر الإسلام
الأغنياء بإخراج زكاة أموالهم(2)لإنقاذ ملايين الجائعين من خطر البؤس والفقر
والمرض والموت.
وجاءت
القاعدة الثانية القرآنية صرخةً مدويةً يؤكد علماء اليوم أنها الحل الأمثل لحل
مشاكل العصر الصحية والتي جعلها سبحانه وتعالى من أهداف بعثة النبي الأميrوهي قوله تعالى:(ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فكان تحريم
الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير،وما ألحق بها اليوم من خبائث العصر من مخدرات
وسجائر وسواها وهي هي من أهم أسباب الأمراض والعجز والموت والمهالك في عصرنا
الحديث (3).
وجاء
الهدي النبوي بآداب يتدبر بها المسلم أمر طعامه وشرابه،وهي علاوة على أنها أضفت
على حياته الاجتماعية مسحة جمالية وسلوكيةً رائعةً،فقد نظم بها الشارع تناول
الوجبات وكميّاتها وطريقة تناولها فيما يتّفق مع ما وصل إليه الطب الحديث الوقائيّ
وعلم الصحة،لا بل سبقه إلى ذلك بقرون عدة،فلا يأكل المسلم حتى يجوع، وإذا أكل لا
يصل إلى حدً التخمة من الشبع،إذ" بحسب ابن آدم
لقيمات يقمن صلبه"،وعلى قاعدة"ما ملأ
ابن آدم وعاءً شراً من بطنه" كما نهى الشارع عن إدخال الطعام على الطعام أو
أن يأكل بين الوجبات……الخ.
واتفاقاً
مع الأهمية الصحية لطريقة تناول الطعام والشراب،وعلاقة ذلك بصحة البدن،فقد حدّد
الطبيب الأول ورسول الحقِّ rالوضعية المثلى
للجلوس على الطعام،ونهى عن وضعياتٍ قد ينجم عنها بعض الأذى،كأن يأكل المرء أو يشرب
واقفاً أو متكئاً. وندب إلى أن يتحدَّث الإنسان على طعامه لإدخال السرور على
المشاركين مما يزيد في إفراز العصارات الهاضمة ويساعد على الاستفادة المثلى من
الطعام. ودعا إلى تقديم العَشاء على العِشاء،وإلى أن يشرب كوب الماء على دفعتين أو
ثلاث،وأن يمصّه مصَّاً لا أن يعبَّه ويكرعه لما في ذلك من أثرٍ سيء على المعدة
والجهاز الهضميِّ عموماً.
وإذا
كان الطبُّ الحديث قد اكتشف الجراثيم الممرضة والطفيليات المهلكة للإنسان في أواخر
القرن الماضي،وبين أن تلوث الطعام والشراب بها هو من أهم أسباب إصابة الإنسان بعدد
من الأمراض الخطيرة كالكوليرا والتيفوئيد والزحار(الزنطارية)والسل المعوي والديدان
والتهاب الكبد وغيرها،ومن ثَمَّ فقد وضع علم الطب الوقائي عدداً من القواعد الصحية
على الإنسان أن يلتزم بها ليضمن نظافة الطعام والشراب وسلامتهما من التلوث
الجرثومي. فإن ديننا الحنيف قد وضع تلك التعاليم وأمر أتباعه الالتزام بها منذ
أكثر من أربعة عشر قرناً(4).
والحق
يقال أن التعاليم النبوية في تدبير الطعام والشراب كانت قمة في الدقة العلمية،وقمة
في حرص المشرع العظيم على سلامة أتباعه ووقايتهم من شر الوقوع في براثن المرض.فقد
أمر عليه الصلاة والسلام أن بغطى إناء الطعام وتوكأ قرب الشراب فلا يترك مكشوفاً
للذباب والتراب،كما نهى عن أن يشرب من في الإناء أو أن ينفخ في الشراب حرصاً على
سلامته من التلوث،وأمر بغسل اليدين قبل الطعام وبعده،وأمر بالأكل باليمين،ونهى عن
الأكل باليسار التي خصصها للاستنجاء وغير ذلك من الأعمال الملوِّثةِ،كل ذلك ليضمن
سلامة الطعام وعدم تلوثه بالجراثيم كما سنرى.
كما
حرص المشرع على عدم تلويث مياه الشرب،فنهى أن يغمس المستيقظ من النوم يده في
الإناء قبل أن يغسلها،فإن" أحدكم لا يدري أين باتت يده"،كما منع التبرز
أو التبول قرب موارد المياه وفي ظل الناس ومكان تجمعاتهم،بل شدّد في تحريم هذه
الأفعال(3)حتى عدها من مسببات اللعن. فقد صح عنه r قوله:"اتقوا الملاعن الثلاث:البراز في
الموارد وقارعة الطريق والظل" كما" نهى رسول الله r
أن يبال في الماء الراكد"-رواه البخاري ومسلم-.
الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب
غسل اليدين قبل الطعام وبعده:
يستحب
للمسلم غسل اليدين قبل الطعام وبعده لحديث سلمان الفارسي tأن
رسول الله r قال:"بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده"·.وقد
فسر العلماء وضوء الطعام بغسل اليدين.
وعن
أنس بن مالك tقال:سمعت
رسول الله rيقول:" من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه
وإذا رفع" رواه ابن ماجة والبيهقي.
وعن
أبي هريرة tأن
النبيrقال:"من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومنَّ
إلا نفسه"··،والغمر:ريح
اللحم وزهومته.
وعنه
أيضاً عن النبي r قوله:"إن الشيطان حساس لحّاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي
يده غمر فأصابه شيء فلا يلومنَّ إلا نفسه"···.
وعن
أبي سعيد tعن
النبي r
قوله:" من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا
يلومنَّ إلا نفسه"····،والوضح:البرص.
ولا
تخفى الحكمة الصحية من هذا الهدي النبوي(16).ففي حياة الإنسان اليومية كثيراً ما
يصافح شخصاً مريضاً أو حاملاً لجراثيم ممرضة أو يلمس أشياء ملوثة بجراثيم خطيرة
فهو يجلس لطعامه غير عالم أن بين أنامله خطراً كامناً ينتظر ذلك الطعام فيلوث لقمة
يبتلعها ليصاب بذلك المرض،وأكثر الأمراض انتشاراً عن ذلك الطريق هي الكوليرا والتيفوئيد
والزحار.هذا وإن الجلد(17) يحتوي على سطحه على أثلام وأخاديد،وإن ما يفرزه من دهن
وعرق يساعد على التصاق تلك الجراثيم وبيوض الطفيليات بالجلد وحفظها بين ثناياه.
ويأتي
الهدي النبوي بالأمر بغسل اليدين قبل الطعام متوافقاً مع بدهيات الطب الحديث
الوقائي ليسلم طعامه من عوامل التلوث والمرض.أما غسل اليدين بعد الطعام فلأن
بقاياه التي تلوث الأنامل يمكنها إذا بقيت أن تتفسخ وأن تشكل ضمن حرارة الجسم
وسطاً ملائماً لتكاثر الجراثيم واستحالتها إلى خطر داهم وهذا الخطر هو الذي حذر
منه النبيr
في كثير من أحاديثه التي أوردناها.
ويعلق
د.الراوي(17)على قولهr:"من أراد أن يكثر خير بيته"،أن غسل اليدين قبل الطعام
يدخل البركة على الإنسان كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام,وأن البركة
هنا هي _بركة العافية_ وهي الكنـز الذي لا يفنى والكرم الإلهي الذي لا يقدر
بثمن.وأن غسل اليدين قبل الطعام إجراء حاسم للوقاية من الفقر كما ورد في
الأثر" الوضوء قبل الطعام بركة وينفي الفقر وبعده ينفي اللمم"·.
جلسة الطعام في الهدي النبوي :
عن
أبي جحيفة tقال:"لا آكل متكئاً" رواه البخاري.
و
عن أنس tقال
:"رأيت النبي r جالساً مقعياً يأكل تمراً" رواه مسلم.
وعن
عبد الله بن بسر tقال
كان لرسول الله r
قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا و سجدوا للضحى أتي بتلك القصعة
و قد ثرد عليها فالتفوا حولها،فلما كثروا جثا رسول الله r
فقال له أعرابي :ما هذه الجلسة ؟ فقال r:إن الله جعلني
عبداً كريماً و لم يجعلني جباراً عنيداً،ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها
يبارك فيها"···،وجثا يجثو:جلس على ركبتيه.
وعن
أنس بن مالك tقال:"لم يأكل النبيr على خوان قط وما أكل
خبزاً مرققاً حتى مات" رواه البخاري،وفي رواية للترمذي:قيل
لقتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال على السفر،والسُّفَر:جمع سُفرة وهو ما يوضع على
الأرض ليؤكل عليه.
قال ابن القيم(6) :و قد فسر الاتكاء بالتربع، و فسر
بالاتكاء على الشيء و هو الاعتماد عليه و فسر بالاتكاء على الجنب. و الأنواع
الثلاثة من الاتكاء:فنوع منها يضر وهو الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام عن
هيئته و يعوقه عن سرعة نفوذه الى المعدة فيضغطها فلا يستحكم فتحها للغذاء. و أما
النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية و لهذا قال r :"آكل كما يأكل
العبد".و
كان يأكل وهو مقع،والإقعاء أن يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه و يضع بطن قدمه
اليسرى على ظهر القدم اليمنى.و هذه الهيئة أنفع هيئات الأكل لأن الأعضاء كلها تكون
على وضعها الطبيعي. وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائل التي تحت الجالس
فيكون المعنى:أما إذا أكلت لم أقعد متكئاً كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من
الطعام،لكني آكل بُلْغة كما يأكل العبد".
و يرى د.إبراهيم الراوي(18 ) أن الجهاز الهضمي
يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزم لاستقبال الطعام الوارد و
التهيؤ لهضمه لذا كان الإجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس و ثني الساقين تحت
الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي،مع وضع الساق اليسرى منثنية و اليمنى
مرتكزة على القدم لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من
الخارج.و هذا هو أصح حالة لعمل الجهاز الهضمي.كما يجب الامتناع عن الحركة و السير
أثناء الطعام لمنع ذهاب الدم إلى العضلات في وقت يكون جهازه الهضمي في أمس الحاجة
إليه. وهذا الوضع” جلسة الطعام" التي
طبقها أستاذ البشرية سيدنا محمدr
وهو أصح و أسلم في حالة الجلوس على الأرض حول السفرة من استعمال الكراسي حول مائدة
الطعام.
و حول الأكل متكئاً يقول د.الراوي أن الاتكاء
يسبب التشنج و الاضطراب و التقلص في عضلات البلعوم فلا يستطيع الإنسان بلع اللقمة
في ارتياح و لذة،كما أنه يحدث ارتخاءً في عضلات البطن فلا تستطيع المعدة استقبال
الطعام بشكل صحيح. ولأن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه
على الأرض دون لجوئه إلى الارتكاز الجانبي في حالة الاتكاء.
أما د.غياث الأحمد فيرى أن الجلوس على
المقعدة(التربيع) يؤدي إلى انبساط المعدة و إلى أن تأخذ المعدة مجالاً واسعاً
فتزيد قابليتها لأخذ الطعام و المزيد منه.أما الإقعاء بنصب الساقين أو أحدهما مما
يضيق حيز المعدة و يقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى الامتلاء بمقدار أقل من الطعام
حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية فيقل مطعمه ولا يصاب بالتخمة.
التسمية قبل الطعام والأكل باليمين مما يلي
الآكل :
عن
عمر بن أبي سلمة tقال:كنت غلاماً في حجر رسول الله r وكانت
يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله r : يا غلام سم الله وكل
بيمينك وكل مما يليك" ،رواه البخاري و مسلم.
وعن
عائشة رضي الله عنها قالت:كان رسول اللهr
يأكل طعاماً في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقالr :أما
أنه لو سمى لكفاكم"·.
عن
وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول الله r
قالوا:يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال:"لعلكم
تفترقون ؟ قالوا:نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه"··.
و
عن جابر بن عبد الله tأن
النبيr
قال:"لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل
بالشمال" رواه مسلم ،وفي رواية له عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما،قولهr:"إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه و إذا شرب فليشرب بيمينه فإن
الشيطان يأكل بشماله و يشرب بشماله".
و
عن سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول اللهr
بشماله فقال له r
:"كل بيمينك قال:لا أستطيع ،ما منعه إلا الكبر فقالr:لا استطعت قال سلمة:فما رفعها إلى فيه"
رواه مسلم.
و
من حديث طويل رواه عبد الله بن بسر tأن
النبي r
أتي بقصعة قد ثرد فيها فقال عليه الصلاة و السلام:"كلوا من جوانبها و دعوا
ذروتها يبارك فيها" و عن أنس tأن
النبيr
قال :"اذكروا اسم الله و ليأكل كل رجل مما
يليه" رواه البخاري. وعن عبد الله بن عباس tأن النبيr قال:"البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته ولا تأكلوا من
وسطه"···.
التسمية
أول الطعام تربط المسلم بالرزاق المنعم وتخلق فيه حالة من الطمأنينة تذكره بأن
الرزق من عند الله ولا شك أن الذي يأكل وهو بحالة نفسية من الراحة والرضا فإن تمثل
الطعام في بدنه ومن ثَمَّ فإن استفادته منه تكون أعظم مما لو كان قلقاً متوتراً
أثناء تناوله لطعامه(16).فالتوتر والقلق يؤديان إلى عسر الهضم وإلى عدد من أمراض
السبيل الهضمي والتي تقلل الاستفادة من الطعام المتناول.
وأما
تخصيص اليد اليمنى(16) للأمور الكريمة من أكل وشرب ومصافحة وغيرها، و تخصيص اليسرى
للأمور المستقذرة من استنجاء و رمي للأقذار
فهي لا شك تنظيم نبوي كريم يمكن اعتباره من أسس النظافة و الصحة الشخصية،و
ينسجم مع مبادئ الطب الوقائي الحديث للوقاية من العدوى و تقليل عوامل سراية المرض.
أما
أن يأكل المرء مما يليه من قصعة الطعام فهو ولا شك هدي نبوي إلى خلق كريم تتجمل به
الجماعة المسلمة و ينم عن أدب اجتماعي جم رفيع هو من تعاليم من وصفه المولى
مخاطباً إياه (وإنك لعلى خلق عظيم). ولعل من حكمته أنه يقلل خطر انتقال الأوبئة
فيما لو كان بعض الآكلين حملة لجراثيم مهمة.
النهي عن الشرب و الأكل واقفاً :
عن
أبي سعيد الخدري t"أن النبي r زجر عن الشرب قائماً" رواه مسلم. و عن أنس
و قتادة رضي الله عنهما عن النبيr "أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً"،قال قتادة:فقلنا
فالأكل ؟ فقال:ذاك أشر و أخبث" رواه مسلم و الترمذي.
و عن أبي هريرة tأن
النبيr
قال:"لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقئ"
رواه مسلم.
وعن
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:"سقيت رسول
الله r فشرب وهو قائم" رواه البخاري ومسلم.
وعن
أنس بن مالك tقال:"نهى رسول الله r عن الشرب قائماً وعن
الأكل قائماً وعن المجثمة والجلالة والشرب من فَيِّ السقاء"·.
وعن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :"كنا نأكل على
عهد رسول الله r ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام" رواه الترمذي
وقال صحيح غريب.
وعن
أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها"أنها أرسلت إلى
النبي r بقدح لبن وهو واقف عشية
عرفة فأخذه بيده فشربه" وزاد مالك بن النضر"على
بعيره" رواه البخاري.
أحاديث
شريفة بعضها ينهى عن الشرب واقفاً وبعضها يجيزه،فهل أن فيها ناسخ ومنسوخ؟.
يقول
الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم:ليس في هذه الأحاديث _بحمد الله تعالى_ إشكال
ولا ضعف بل كلها صحيحة والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنـزيه.وأما شربه r قائماً فبيان للجواز فلا إشكال ولا
تعارض.وهذا الذي ذكرناه يتعين إليه المصير وأما من زعم نسخاً فقد غلط غلطاً
فاحشاً.
وقال
الحافظ ابن حجر معلقاً:وهذا أهم المسالك وأسلمها وأبعدها عن الاعتراض،وقد أشار
الأثرم إلى ذلك فقال:إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على
التحريم،وبذلك جزم الطبري والخطابي وغيرهما.
أما
من الناحية الصحية،فنحن مع الدكتور عبد الرزاق الكيلاني(12) أن الشرب وتناول الطعام
جالساً أصح وأسلم وأهنأ وأمرأ حيث يجري ما يتناوله الآكل والشارب على جدران المعدة
بتؤدة ولطف.أما الشرب واقفاً فيؤدي إلى تساقط السائل بعنف إلى قعر المعدة ويصدمه
صدماً،وإن تكرار هذه العملية يؤدي مع طول الزمن إلى استرخاء المعدة وهبوطها وما
يلي ذلك من عسر هضم.وإنما شرب النبي واقفاً لسبب اضطراري منعه من الجلوس مثل
الزحام المعهود في المشاعر المقدسة،وليس على سبيل العادة والدوام.كما أن الأكل
ماشياً ليس من الصحة في شيء وما عرف عند العرب والمسلمين.وما ذكر في الحديث الغريب
عن ابن عمر tعن
أكلهم ماشين وهم ذاهبون إلى الجهاد أو لأمر هام لم يستطيعوا معه الجلوس لتناول
الطعام إنما هو وصف لحالة خاصة على غير العادة والاستمرار،أو أن أكلهم ماشين أنهم
يأكلون على ظهور إبلهم وهي ماشية بهم فهذا مشي للإبل ولكنه جلوس لهم.وإن حديث "من نسي فليستقيء" دليل على تشنيع النبي rلهذا
الفعل،وإنما فعله r
حتى لا يحرج أمته في أمور حياتهم اليومية والتي تقوم على عدم التكلف،فيكون مفهوماً
لأصل السنة الشرب والأكل جلوساً،ولا حرج من فعله قائماً في ظروف خاصة.
ويرى
الدكتور إبراهيم الراوي(19) أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوتراً ويكون جهاز
التوازن في مراكزه العصبية في حالة فعالية شديدة حتى يتمكن من السيطرة على جميع
عضلات الجسم لتقوم بعملية التوازن والوقوف منتصباً.وهي عملية دقيقة ومعقدة يشترك
فيها الجهاز العصبي_العضلي في آن واحد مما يجعل الإنسان غير قادر للحصول على
الطمأنينة العضوية التي تعتبر من أهم الشروط المرجوة عند الطعام والشراب،هذه
الطمأنينة يحصل عليها الإنسان في حالة الجلوس حيث تكون الجملة العصبية والعضلية في
حالة من الهدوء والاسترخاء وحيث تنشط الأحاسيس وتزداد قابلية الجهاز الهضمي لتقبل
الطعام والشراب وتمثله بشكل صحيح.
ويؤكد
د.الراوي أن الطعام والشراب قد يؤدي تناوله في حالة الوقوف(القيام) إلى إحداث
انعكاسات عصبية شديدة تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة في بطانة المعدة،وإن
هذه الانعكاسات إذا حصلت بشكل شديد ومفاجئ فقد تؤدي
إلى انطلاق شرارة النهي العصبي الخطيرة Vagal Inhibation لتوجيه ضربتها القاضية للقلب ،فيتوقف محدثاً الإغماء أو الموت المفاجئ.كما
أن الاستمرار على عادة الأكل والشرب واقفاً تعتبر خطرة على سلامة جدران المعدة
وإمكانية حدوث تقرحات فيها حيث يلاحظ الأطباء الشعاعيون أن قرحات المعدة تكثر في
المناطق التي تكون عرضة لصدمات اللقم الطعامية وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95٪
من حالات الإصابة
بالقرحة.كما أن حالة عملية التوازن أثناء الوقوف ترافقها تشنجات عضلية في المرئ
تعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة ومحدثة في بعض الأحيان آلاماً شديدة تضطرب
معها وظيفة الجهاز الهضمي وتُفقد صاحبها البهجة والاطمئنان عند تناوله لطعامه
وشرابه.
الشرب مصاً على ثلاث دفعات:
عن
أنس بن مالك رضي الله عنه"أن رسول الله rكان يتنفس
إذا شرب ثلاثاً" رواه الشيخان.وفي رواية قوله:"كان
رسول الله rيتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ".
وعن
معمر بن أبي الحسين مرسلاً أن النبي r قال:"إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصاً ولا يعب عباً فإن
الكباد من العب"·،وعبَّ
عبَّاً: شرب الماء دفعة واحدة والكباد مرض في الكبد.
وعن
عائشة رضي الله عنها أن النبي r
قال:"مصُّوا الماء مصاً ولا تعبوا عباً فإن الكباد
من العب"·· وعن عطاء بن أبي رباح مرسلاً أن النبي r قال:"إذا شربتم
فاشربوا مصَّاً"···.
وعن
أبي هريرة t"أن النبي r كان يشرب في ثلاثة أنفاس،إذا أدنى إلى فيه يسمي الله وإذا أخره
حمد الله يفعل ذلك ثلاثاً"····.
فالهدي
النبوي في شرب الماء أن يقسم المرء شرابه إلى ثلاثة أجزاء يتنفس بينها،مبعداً
الإناء عن فيه وعن نفسه وقاية له من التلوث،وان يمص الماء مصاً _أي ببطء_ لأنه
أهنأ وأمرأ وأبرأ لداء العطش.قال النووي كان يتنفس في الشراب ثلاثاً أي أثناء
شربه.وقال المنذري(20) وهذا محمول على أنهr
كان يبعد القدح عن فيه في كل مرة ثم يتنفس.
يقول
د.النسيمي(9):وفي تقسيم الإنسان شرابه إلى ثلاثة أقسام فوائد أهمها تذوق الماء
والشراب ليدرك مدى صلاحيتها للشرب ودرجة حرارتها وما قد طرأ عليها من فساد أو تغير
بمواد قد تكون سامة،فيحجم عن الشرب قبل فوات الأوان بشربها دفعة واحدة،وكثيراً ما
تأذى أناس أو ماتوا بتجرعهم سائلاً ضاراً أو ساماً بطريق الخطأ إذ ظنوه ماءً.وفي
المص وتقسيم الشراب البارد إلى جرعات بعدٌ عن تنبيه العصب المبهم تنبيهاً
شديداً،هذا العصب الذي يبطئ القلب،فإذا تنبه بعنف كأن يكون الماء أو الشراب الوارد
بارداً كثيراً فقد يؤدي تناوله بسرعة(عباً)إلى توقف القلب بالنهي العصبي وقد يحدث
الموت فجأة.
ويؤكد
د.الراوي(21) هذا المعنى في مشاهدة له في القصر العدلي لشاب رياضي سقط ميتاً عند
هجومه على كوب من الماء البارد وشربه بشره دون تأنٍّ دفعة واحدة.
والذي
يشرب الماء دفعة واحدة يضطر أن يتنفس في الإناء وهذا منهي عنه عدا عما فيه من
الأضرار.كما ينقل عن الكتب الطبية المدرسية معالجتها لبعض الآفات العصبية للمريء
والسبيل الهضمي علاجاً فيزيائياً يتضمن إعطاء السوائل بجرعات صغيرة متكررة تحدث
تنبيهات تنشط الأعصاب والعضلات الحلقية في جدار المريء وحيث ينتج عن ترويضها هذا
العلاج الشافي.
وينقل
د.النسيمي(9)وصية أخرى من الطب الحديث للمصابين بالوذمات بالإقلال من شرب الماء
وتعليمهم لدفع الشعور بالعطش أن يقسموا ماء الشرب إلى جرعات صغيرة حيث يتناولوا
جرعة صغيرة كلما شعروا بالعطش وهذا يعطي شعوراً أكبر بالري،ولأن الري الحقيقي لا
يحصل إلا بعد امتصاص الماء فإذا عب الإنسان الماء بسرعة فلا يرتوي إلا بعد تناول
الكؤوس العديدة والكثيرة مما يؤدي إلى تمدد المعدة واضطراب الهضم.
ويرى
د.الكيلاني(12) أن الذي يشرب الماء دفعة واحدة يضطر إلى كتم نفسه إلى أن ينفد كوب
الماء لأن تقاطع طريقي الماء والهواء عند البلعوم يمنع أن يسيرا معاً وعندما يكتم
المرء نفسه طويلاً ينحبس الهواء في الرئتين ويضغط على جدران أسناخها والتي تتوسع
بالتدريج مع استمرار هذه العادة حتى يصاب بانتفاخ الرئة والتي يمكن أن تؤدي إلى
القلب الرئوي وقصور القلب،وقد ينعكس ذلك مع الوقت على الكبد فتتضخم وتصبح مؤلمة
وتنتشر الوذمات في البدن.
النهي عن النفخ في الشراب أو التنفس
فيه:
وعن
أبي قتادة tأن
رسول الله r
قال:"إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء"
رواه البخاري.
وعن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه"أن النبي r نهى عن النفخ في الشراب" فقال رجل:القذاة
أراها في الإناء،قال: أهرقها"··.
وعن
أبي المثنى الجهني قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد فقال له مروان:أسمعت رسول الله r ينهى عن النفخ في الشراب
؟ قال نعم،فقال رجل لرسول الله r: إني لا أروى من نفس واحد فقال r :" فأبن القدح عن
فيك ثم تنفس" أخرجه مالك في موطئه.
قال ابن القيم (6):"وأما النهي عن النفخ في الشراب فإنه
يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يُعاف لأجلها لا سيما إذا كان متغير الفم
،وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه".
والحقيقة
أن هذا هدي نبوي كريم فيه أدب رفيع ،فالنفخ في الطعام والشراب خروج على الآداب العامة ومجلبة للازدراء. أما من
الناحية الطبية (21) فإن هواء الزفير مفعم بغاز الفحم وفضلات الجسم الطيارة والتي
تكثر نسبتها عند المصابين بالتسمم البولي (الأوريميائي) أو الانسمام الخلوني
(السكريين) وما النفخ إلا اختلاط لهذه الفضلات بالطعام والشراب ومن ثم إعادتها إلى
الجسم عند تناوله لتؤدي فعلها السمّي.
ومن
هنا نفهم المعجزة النبوية الخالدة بنهي النبي r
عن تبريد الطعام أو الشراب بالنفخ عليه وقاية للإنسان من مخاطر المرض.
النهي عن الشرب من ثلمة القدح
:
عن
أبي سعيد الخدري tقال:"نهى رسول الله r عن الشرب من ثلمة
القدح"···
؛وثلمة القدح مكان انكسار قطعة من حافة القدح.
قال
المناوي·:وجاء
في رواية أنها-أي الثلمة - مقعد الشيطان.وقال ابن الأثير··:وحديث النخعي أنه r كره الشرب من ثلمة القدح
وقال أنها كفل الشيطان، أراد أنها ركب الشيطان لما يكون عليها من الأوساخ.
يقول ابن القيم(6) "إن الشرب من ثلمة القدح فيه عدة
مفاسد أحدهما أن يكون على وجه الماء من قذى أو غيره يجتمع إلى الثلمة،والثاني أنه
ربما يشوش على الشارب فلا يتمكن من حسن الشرب،والثالث أن الوسخ والزهومة تجتمع في
الثلمة ولا يصل إليها الغسل كما إلى الجانب الصحيح،الرابع أن الثلمة محل العيب في
القدح وهي أردأ مكان فيه فيجب تجنبه،والخامس أنه كان في الثلمة شق يجرح فم
الشارب".
وفي
الحقيقة فإننا لا يمكن أن نزيد شيئاً على ما أورده ابن القيم من حكم للنهي النبوي
عن الشرب من ثلمة القدح غير أن رواية "أنها مقعد للشيطان" أو "كفل
للشيطان" قد تكون من التعابير
النبوية المعجزة لمفاهيم علمية حديثة عن وجود تجمع هائل للجراثيم والطفيليات في
ثلمة القدح وحيث يصعب تطهيرها تماماً.
النهي عن الشرب من في السقاء
:
عن
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :"نهى رسول
الله r عن الشرب من في السقاء".
رواه البخاري،وفي السقاء:فمه والسقاء كل ما يجعل
فيه ما يسقى كالقربة والجِرار.
وعن
أبي سعيد الخدري tقال
:"نهى رسول الله r عن اختناث
الأسقية:أن يشرب من أفواهها" رواه مسلم وقال الراوي إنما نهي عنه
لأنه ينتنها فإن إدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها.
وعن
أبي هريرة tقال:"نهى رسول الله r أن يشرب من السقاء
والقربة"
رواه البخاري ومسلم،وإنما نهي عن الشرب من في السقاء من أجل ما يخاف من أذى عساه
يكون فيه لا يراه الشارب حتى لا يدخل جوفه فاستحب أن يشرب من إناء ظاهر يبصره.
وعن
عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"نهى رسول الله r أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه"
رواه
الحاكم.
وعن
كبشة الأنصارية رضي الله عنها قالت:"دخل عليَّ رسول
الله r فشرب من في قربة معلقة".
رواه
الترمذي وقال حديث صحيح.
قال
النووي·:النهي
عن الشرب من في السقاء للتنـزيه لاحتمال وجود شيء من الهوام في الماء لذلك إذا غطي
فم الجرة أو ربط فم القربة فلا مانع من الشرب من فمها،لكن الأولى ألا يشرب من في
السقاء امتثالاً للأمر النبوي.
وقد جمع العلماء·· بين أحاديث جواز
الشرب من في القربة وأحاديث المنع جواز الشرب وأن النهي وأن النهي إنما هو
للتنـزيه.
يقول
د.الكيلاني (12) فالإناء إن لم يكن شفافاً (من الزجاج) وكانت فوهته مفتوحة فقد
يسقط فيه شيء من الهوام أو القذى أو الحشرات من عقرب وسواه،فإذا شرب من فم السقاء
فإن هذه قد تدخل جوفه فتؤذيه،كما أنه بعد انتهاء الشرب وخاصة إذا كان الشارب
مريضاً فقد يعود ريقه مع ما يحمله من جراثيم إلى فم السقاء ويصبح خطراً على
الشاربين.
النهي عن الشرب في آنية الذهب
والفضة :
عن
حذيفة بن اليمان tأنه
سمع النبي r
يقول :"لا تلبسوا الحرير والديباج ولا تشربوا في
آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"
رواه البخاري.
وعن
أم سلمة رضي الله عنها أن النبي r
قال :"الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر
بطنه في نار جهنم" رواه البخاري.
هذا
ولم أجد أحداً من الباحثين ذكر حكمةً صحيةً لهذا الأمر التعبدي. ولعل من الحكمة
دعوتهr
إلى عدم التبذير وعدم الكبرياء ولأن في غيرهما من المعادن ما يفي الغرض،وأيضاً حتى
لا توجد أزمة نقدية باستعمال ما خصص لها من ذهب وفضة في غير موضعه···.
ألا يعيب طعاماً قط :
عن
أبي هريرة عنه رضي الله قال :"ما عاب النبي r طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه" رواه البخاري ومسلم.
والحق
أن هذا هو التصرف الصحي السليم فتناول الطعام المشتهى يساعد على هضمه واستقلابه
والاستفادة منه بالشكل الأمثل (16).
الاجتماع على الطعام:
عن
جابر بن عبد الله tأن
النبي r
قال : "أحب الطعام ما تكاثرت عليه الأيدي" وفي
رواية "ما كان على ضفف"·.
وعن
وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده tقال: قالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال:"تجتمعون
على الطعام أو تتفرقون" قالوا نتفرق قال :"اجتمعوا على طعامكم واذكروا
اسم الله تعالى يبارك لكم فيه"··.
وفي
الحديث إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت،حصلت معها البركة فتعم الحاضرين. وهذا علاج
نبوي كريم عندما شكى إليه الصحابة الكرام من الجوع وعدم الشبع.
المضمضة بعد الطعام :
عن
سويد بن النعمان قال :"خرجنا مع رسول الله r إلى خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام،فما أُتي إلا
بسويق،فأكلنا،فقام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضنا" رواه البخاري.
وعن
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله r شرب لبناً فدعا بماء فمضمض وقال:إن له دسماً"
رواه البخاري ومسلم.
وفي
هذا الهدي النبوي حفظ لصحة الأسنان ووقايتها من النخر والتسوس،ذلك أن بقايا الطعام
في الفم وبين ثنايا الأسنان يمكن أن تتخمر وتتفسخ متحولة ضمن الفم إلى مزرعة
جرثومية خطيرة يمكن أن تترعرع فيها الجراثيم وتتكاثر بسهولة مؤدية إلى حالات مرضية
قد تكون وخيمة العواقب،ومن أجل هذا أيضاً كما سنرى شرع استعمال السواك.
عدم الأكل من الخبز المرقق
المنخول:
عن
سهل بن سعد "أن النبي r كان يأكل خبز الشعير غير
منخول".
وعن
أبي حازم قال سألت سهل بن سعد tهل أكل رسول الله r النقي ؟ فقال:ما رأى رسول الله
r النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه. فقلت: هل كانت لكم في عهد
رسول الله r مناخل ؟ فقال: ما رأى رسول الله r منخلاً من حين ابتعثه
الله حتى قبضه الله.فقلت :كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ؟ فقال :"نطحنه
وننفخه فيطير منه ما يطير وما بقي ثرَّيناه فأكلناه" رواه البخاري.
وعن
أنس بن مالك tقال:"ما أكل النبي r على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق وفي رواية وما أكل خبزاً
مرققاً حتى مات"
رواه البخاري.
وعن
أم أيمن رضي الله عنها أنها غربلت دقيقاً فصنعته للنبي r
رغيفاً فقال: ما هذا ؟ قالت طعام كنا نصنعه بأرضنا
فأحببت أن أصنع لك منه رغيفاً فقال r: ردّيه فيه ثم
اعجنيه"·.
النقي:الدقيق
الأبيض،وثرَّيناه:بلَّلناه بالماء،والخوان هو طاولة الطعام،أما السكرجة فهي الإناء
الذي توضع فيه الكوامخ والمقبلات،والمحور الني ينخل مرة بعد مرة.
يقول
د.الكيلاني (12):لقد رفض رسول الله r
الرغيف الأبيض ذو الدقيق المنخول ورغب في الأسمر المصنوع من الدقيق الكامل غير
المنخول،حدث هذا منذ 14 قرناً وعرف الطب الحديث اليوم أهمية النخالة وفائدة
إضافتها إلى الخبز في منع حدوث سرطان الكولون الذي كثرت حوادثه في المجتمعات
المتحضرة التي تأكل الخبز الأبيض وصارت أكياس النخالة تباع اليوم ليؤكل منها مع
الطعام لمنع حدوث الإمساك المزمن وللوقاية من سرطان القولون.
كما
صار الخبز الأسمر مرغوباً به عند من يهتم بالصحة هذا عدا عن أن الاقتصار على الخبز
الأبيض قد يؤدي إلى نقص في عنصر الزنك في الجسم والذي يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة.
النهي عن أكل الطعام الحار :
عن
أبي هريرة t"أن
النبي r كان لا يأكل الحار ويقول إنه غير ذي بركة وأن الله لم يطعمنا
ناراً"
رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن
خولة بنت قيس رضي الله عنها "أن النبي
r
دخل عليها فصنعت له حريرة (وفي رواية خريزة) فلما قدمتها إليه فوضع يده فيها فوجد
حرَّها فقبضها ثم قال يا خولة إنا لا نصبر على حر ولا نصبر على برد"··.
أما
من الناحية الطبية فإن الأطعمة والأشربة الحارة جداً يمكن أن تؤدي كثيراً إلى حروق
تبدو غالباً (24) في قبة الحنك أو المنطقة الشفوية. وتعزو الكتب الطبية المدرسية
(25) كثرة حدوث السرطانات في القسم العلوي من جهاز الهضم وخاصة سرطان المريء إلى
الاعتياد على شرب المشروبات شديدة الحرارة ولا سيما الشاي.
عدم النوم بعد الطعام مباشرة:
عن
عائشة رضي الله عناه أن النبي r
قال:"أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا
عليه فتقسوا قلوبكم"···.
قال
الحرَّاني:والقسوة اشتداد التصلب والتحجر،وقال الغزالي (11) وفيه يستحب ألا ينام
بعد الشبع فيجمع بين غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه ولكن ليصَلِّ أو يجلس يذكر
الله فإنه أقرب إلى الشكر،وكان الثوري رحمه الله إذا شبع ليلة أحياها.
وتذكر
كتب الطب الوقائي (22) أن النوم يوجب البطء في جميع الأفعال الحيوية في البدن
والهضم من جملتها،فالنوم بعد الطعام يربك الهضم ويؤدي إلى عسرات وكثرة الغازات،كما
أنه من الملاحظ (23) أن معظم حالات الذبحة الصدرية تأتي بعد وجبة ثقيلة والنوم
بعدها مباشرة. فيجب ترك فترة تقرب من ساعة تفصل بين انتهاء الطعام والنوم الطويل
حتى تكون المعدة قد انتهت تقريباً من هضمه.
الأمر بلعق الأصابع والصفحة :
عن
جابر t"أن النبي r أمر بلعق الأصابع والصفحة وقال:إنكم لا تدرون في أيِّ طعامكم
البركة" رواه
مسلم.
وعن
أبي هريرة tأن
النبي r
قال:"إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في
أيتهن البركة" رواه مسلم والترمذي.
وعن
جابر tأن
رسول الله r
قال:"إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان
بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان،ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه
فإنه لا يدري في أيِّ طعامه البركة" رواه مسلم.
وعن كعب بن مالك tقال: "رأيت رسول الله r يأكل بثلاث أصابع فإن فرغ
لعقها" رواه مسلم.
قال
القاضي عياض:إن المراد بذلك هو عدم التهاون بالطعام القليل وإن محله فيما لم يحتج
إلى غسل الماء مما ليس فيه دسم ولا زهومة فإن احتاج كان الغسل أولى.
وقال
الخطابي:عاب قوم أفسد عقولهم الترف فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا
أن الطعام الذي علق بالأصابع أو الصفحة هو
جزء من أجزاء ما أكلوه،وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذراً لم يكن الجزء اليسير منه
مستقذراً.
ويعلق
د. الأحمد (16) فيقول:والحق أن وسيلة الأكل في تلك الأيام كانت الأصابع،واليوم فهل
يعيب على الآكل أن يلعق ملعقته ؟.
تغطية الإناء وإيكاء السقاء :
عن
أبي حميد السّاعدي tقال:
"أتيت النبي r
بقدح من لبن النقيع ليس مخمراً فقال رسول الله
r:" ألا خمرته ولو تعرض عليه عوداً" قال أبو حميد:إنما
أمرنا بالأسقية أن توكأ ليلاً وبالأبواب أن تغلق" رواه مسلم. وتخمير
الإناء تغطيته لئلا يسقط فيه شيء وأوكأت الإناء إذا شددته.
وعن
جابر tأن
النبي r
قال:"غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة
ينزل بها وباء،لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من
ذلك الوباء" رواه البخاري ومسلم.
إن
تغطية آنية الطعام والشراب لحمايتها من الغبار والذباب ومن أجل منع التلوث
الجرثومي وانتشار الأمراض السارية تعتبر من أهم قواعد الطب الوقائي الحديث،وإنه
لمن المعجز حقاً أن يأمر النبي r
بهذا الهدي الصحي العظيم،وأن يخبر بإمكانية انتقال الوباء بهذه الطريقة قبل اكتشاف
الجراثيم والعوامل الممرضة بأكثر من 14 قرناً.
تقديم العَشاء على صلاة
العِشاء :
عن
أنس بن مالك tعن
النبي r
أنه قال:"إذا وُضِع العَشاء وأُقيمت الصلاة فابدؤوا
بالعَشاء" رواه البخاري.
إن
هذا الحديث عبارة عن قاعدة شرعية جليلة،الحكمة منها أن المصلي الخاوي البطن يبتعد
عن الخشوع فينقر صلاته مستعجلاً فلا يحقق المراد من الصلاة. فالنبي r ينصح المسلمين وخاصة في شهر الصيام أن
يبدؤوا بالطعام أولاً ثم يصلوا بعد ذلك كي يتسنى لهم الخشوع في صلاتهم.
أما
التعليل الطبي لهذا الأمر النبوي (12) فإن الطعام منذ أن يوضع وتظهر روائحه فإن
العصارات الهاضمة تبدأ بالإفراز ومنها اللعاب كما تسيل عصارة المعدة منتظرة وصول
الطعام إليها وفيها من الحموض والخمائر ما فيها،فإذا تأخر وصول الطعام إليها فقد
تؤثر هذه العصارة المتدفقة على جدران المعدة أو في جدران البصلة العفجية محدثة
فيها التقرحات،وقد يصاب المرء بعد ذلك بضعف إفراز العصارة المعدية إذا وجدت أن
التنبيهات كانت تأتيها خاطئة ويصاب المرء بعسرة الهضم.
ما يقوله المسلم إذا فرغ من
طعامه:
عن
أبي أمامة tأن النبي r إذا رفع مائدته قال:"الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً
فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنىً عنه" رواه البخاري.
وعن
أنس بن مالك tأن
النبي r
قال:"من أكل طعاماً فقال:الحمد لله الذي أطعمني هذا
ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غُفر له ما تقدم من ذنبه"··.
والى لقاء فى اجزاء اخرى من الكتاب (روائع الطب الاسلامى ) للدكتور الطبيب : محمد نزار الدقر
تحياتى
تحياتى
إرسال تعليق